حَسبُ القَوافي وَحَسبي حيـنَ أُلقيهـا أَنّي إِلـى ساحَـةِ الفـاروقِ أُهديهـا
لاهُمَّ هَب لـي بَيانـاً أَستَعيـنُ بِـهِ عَلى قَضـاءِ حُقـوقٍ نـامَ قاضيهـا
قَـد نازَعَتنِـيَ نَفسـي أَن أَوَفّيـهـا وَلَيسَ في طَـوقِ مِثلـي أَن يُوَفّيهـا
فَمُـر سَـرِيَّ المَعانـي أَن يُواتِيَنـي فيها فَإِنّي ضَعيـفُ الحـالِ واهيهـا
***
وَقَـولَـةٍ لِعَـلِـيٍّ قالَـهـا عُـمَـرٌ أَكـرِم بِسامِعِهـا أَعظِـم بِمُلقيـهـا
حَرَقتُ دارَكَ لا أُبقـي عَلَيـكَ بِهـا إِن لَم تُبايِع وَبِنتُ المُصطَفـى فيهـا
ما كانَ غَيرُ أَبي حَفـصٍ يَفـوهُ بِهـا أَمـامَ فـارِسِ عَدنـانٍ وَحاميـهـا
كِلاهُما فـي سَبيـلِ الحَـقِّ عَزمَتُـهُ لا تَنثَنـي أَو يَكـونَ الحَـقُّ ثانيهـا
فَاِذكُرهُمـا وَتَرَحَّـم كُلَّمـا ذَكَـروا أَعاظِماً أُلِّهـوا فـي الكَـونِ تَأليهـا
***
وَما أَقَلتَ أَبا سُفيـانَ حيـنَ طَـوى عَنـكَ الهَدِيَّـةَ مُعـتَـزّاً بِمُهديـهـا
لَم يُغنِ عَنـهُ وَقَـد حاسَبتَـهُ حَسَـبٌ وَلا مُعـاوِيَـةٌ بِالـشـامِ يَجبيـهـا
قَيَّـدتَ مِنـهُ جَليـلاً شـابَ مَفرِقُـهُ في عِزَّةٍ لَيـسَ مِـن عِـزٍّ يُدانيهـا
قَـد نَوَّهـوا بِاِسمِـهِ فـي جاهِلِيَّتِـهِ وَزادَهُ سَـيِّـدُ الكَونَـيـنِ تَنويـهـا
في فَتـحِ مَكَّـةَ كانَـت دارُهُ حَرَمـاً قَد أَمَّنَ اللَـهُ بَعـدَ البَيـتِ غاشيهـا
وَكُلُّ ذَلِـكَ لَـم يَشفَـع لَـدى عُمَـرٍ فـي هَفـوَةٍ لِأَبـي سُفيـانَ يَأتيهـا
تَاللَـهِ لَـو فَعَـلَ الخَطّـابُ فَعلَتَـهُ لَمـا تَرَخَّـصَ فيهـا أَو يُجازيـهـا
فَـلا الحَسابَـةُ فـي حَـقٍّ يُجامِلُهـا وَلا القَرابَـةُ فـي بُطـلٍ يُحابيـهـا
وَتِلـكَ قُـوَّةُ نَفـسٍ لَـو أَرادَ بِهـا شُمَّ الجِبـالِ لَمـا قَـرَّت رَواسيهـا
***
وَفِتيَـةٍ وَلِعـوا بِالـراحِ فَاِنتَـبَـذوا لَهُم مَكانـاً وَجَـدّوا فـي تَعاطيهـا
ظَهَرتَ حائِطَهُم لَمّـا عَلِمـتَ بِهِـم وَاللَيـلُ مُعتَكِـرُ الأَرجـاءِ ساجيهـا
حَتّى تَبَيَّنتَهُـم وَالخَمـرُ قَـد أَخَـذَت تَعلـو ذُؤابَـةَ ساقيهـا وَحاسيـهـا
سَفَّهـتَ آراءَهُـم فيهـا فَمـا لَبِثـوا أَن أَوسَعوكَ عَلى ما جِئـتَ تَسفيهـا
وَرُمتَ تَفقيهَهُـم فـي دينِهِـم فَـإِذا بِالشَربِ قَد بَرَعوا الفـاروقَ تَفقيهـا
قالـوا مَكانَـكَ قَـد جِئنـا بِواحِـدَةٍ وَجِئتَـنـا بِـثَـلاثٍ لا تُبالـيـهـا
فَأتِ البُيوتَ مِنَ الأَبوابِ يـا عُمَـرٌ فَقَـد يُـزَنُّ مِـنَ الحيطـانِ آتيهـا
وَاِستَأذِنِ النـاسَ أَن تَغشـى بُيوتَهُـمُ وَلا تُـلِـمَّ بِــدارٍ أَو تُحَيّـيـهـا
وَلا تَجَسَّس فَهَـذي الآيُ قَـد نَزَلَـت بِالنَهيِ عَنـهُ فَلَـم تَذكُـر نَواهيهـا
فَعُدتَ عَنهُم وَقَـد أَكبَـرتَ حُجَّتَهُـم لَمّـا رَأَيـتَ كِتـابَ اللَـهِ يُمليـهـا
وَما أَنِفتَ وَإِن كانـوا عَلـى حَـرَجٍ مِن أَن يَحُجَّـكَ بِالآيـاتِ عاصيهـا
***
سَل قاهِرَ الفُرسِ وَالرومانِ هَل شَفَعَت لَهُ الفُتـوحُ وَهَـل أَغنـى تَواليهـا
غَزى فَأَبلى وَخَيلُ اللَـهِ قَـد عُقِـدَت بِاليُمنِ وَالنَصرِ وَالبُشرى نَواصيهـا
يَرمـي الأَعـادي بِـآراءٍ مُـسَـدَّدَةٍ وَبِالفَـوارِسِ قَـد سالَـت مَذاكيـهـا
مـا واقَـعَ الـرومَ إِلّا فَـرَّ قارِحُهـا وَلا رَمى الفُرسَ إِلّا طـاشَ راميهـا
وَلَـم يَجُـز بَلـدَةً إِلّا سَمِعـتَ بِهـا اللَـهُ أَكبَـرُ تَـدوي فـي نَواحيهـا
عِشـرونَ مَوقِعَـةً مَـرَّت مُحَجَّلَـةً مِن بَعدِ عَشرٍ بَنانُ الفَتـحِ تُحصيهـا
وَخالِـدٌ فـي سَبيـلِ اللَـهِ موقِدُهـا وَخالِـدٌ فـي سَبيـلِ اللَـهِ صاليهـا
أَتـاهُ أَمـرُ أَبـي حَفـصٍ فَقَبَّـلَـهُ كَمـا يُقَـبِّـلُ آيَ الـلَـهِ تاليـهـا
وَاِستَقبَلَ العَزلَ فـي إِبّـانِ سَطوَتِـهِ وَمجـدِهِ مُستَريـحَ النَفـسِ هاديهـا
فَاِعجَـب لِسَيِّـدِ مَخـزومٍ وَفارِسِهـا يَـومَ النِـزالِ إِذا نـادى مُناديـهـا
يَقـودُهُ حَبَـشِـيٌّ فــي عِمامَـتِـهِ وَلا تُحَـرِّكُ مَـخـزومٌ عَواليـهـا
أَلقى القِيـادَ إِلـى الجَـرّاحِ مُمتَثِـلاً وَعِزَّةُ النَفسِ لَـم تُجـرَح حَواشيهـا
وَاِنضَمَّ لِلجُندِ يَمشـي تَحـتَ رايَتِـهِ وَبِالحَـيـاةِ إِذا مـالَـت يُفَـدّيـهـا
وَمـا عَرَتـهُ شُكـوكٌ فـي خَليفَتِـهِ وَلا اِرتَضى إِمرَةَ الجَـرّاحِ تَمويهـا
فَخالِـدٌ كـانَ يَـدري أَنَّ صاحِـبَـهُ قَد وَجَّهَ النَفسَ نَحـوَ اللَـهِ تَوجيهـا
فَمـا يُعالِـجُ مِـن قَـولٍ وَلا عَمَـلٍ إِلّا أَرادَ بِــهِ لِلـنـاسِ تَرفـيـهـا
لِـذاكَ أَوصـى بِـأَولادٍ لَـهُ عُمَـراً لَمّا دَعـاهُ إِلـى الفِـردَوسِ داعيهـا
وَما نَهى عُمَرٌ فـي يَـومِ مَصرَعِـهِ نِسـاءَ مَخـزومَ أَن تَبكـي بَواكيهـا
وَقيلَ خالَفتَ يـا فـاروقُ صاحِبَنـا فيهِ وَقَد كانَ أَعطى القَـوسَ باريهـا
فَقالَ خِفـتُ اِفتِتـانِ المُسلِميـنَ بِـهِ وَفِتنَةُ النَفـسِ أَعيَـت مَـن يُداويهـا
هَبوهُ أَخطَـأَ فـي تَأويـلِ مَقصِـدِهِ وَأَنَّهـا سَقطَـةٌ فـي عَيـنِ ناعيهـا
فَلَن تَعيـبَ حَصيـفَ الـرَأيِ زَلَّتُـهُ حَتّى يَعيـبَ سُيـوفَ الهِنـدِ نابيهـا
تَاللَهِ لَم يَتَّبِع في اِبـنِ الوَليـدِ هَـوىً وَلا شَفى غُلَّةً في الصَـدرِ يَطويهـا
لَكِنَّـهُ قَــد رَأى رَأيــاً فَأَتبَـعَـهُ عَزيمَـةً مِنـهُ لَـم تُثلَـم مَواضيهـا
لَم يَرعَ في طاعَةِ المَولـى خُؤولَتَـهُ وَلا رَعـى غَيرَهـا فيمـا يُنافيـهـا
وَما أَصابَ اِبنَـهُ وَالسَـوطُ يَأخُـذُهُ لَدَيهِ مِن رَأفَـةٍ فـي الحَـدِّ يُبديهـا
إِنَّ الَّـذي بَـرَأَ الفـاروقَ نَـزَّهَـهُ عَنِ النَقائِـصِ وَالأَغـراضِ تَنزيهـا
فَذاكَ خُلـقٌ مِـنَ الفِـردَوسِ طينَتُـهُ اللَـهُ أَودَعَ فيـهـا مــا يُنَقّيـهـا
لا الكِبرُ يَسكُنُها لا الظُلـمُ يَصحَبُهـا لا الحِقدُ يَعرِفُها لا الحِرصِ يُغويهـا
***
كَم خِفتَ في اللَهِ مَضعوفاً دَعاكَ بِـهِ وَكَـم أَخَفـتَ قَوِيّـاً يَنثَنـي تيـهـا
وَفي حَديثِ فَتـى غَسّـانَ مَوعِظَـةٌ لِكُـلِّ ذي نَغـرَةٍ يَأبـى تَناسيـهـا
فَمـا القَـوِيُّ قَوِيّـاً رَغـمَ عِـزَّتِـهِ عِندَ الخُصومَةِ وَالفـاروقُ قاضيهـا
وَما الضَعيفُ ضَعيفـاً بَعـدَ حُجَّتِـهِ وَإِن تَخاصَـمَ واليـهـا وَراعيـهـا
***
وَسَرحَةٍ في سَماءِ السَرحِ قَد رَفَعَـت بِبَيعَةِ المُصطَفى مِـن رَأسِهـا تيهـا
أَزَلتَها حينَ غالَوا في الطَـوافِ بِهـا وَكـانَ تَطوافُهُـم لِلديـنَ تَشويـهـا
***
وَراعَ صاحِبَ كِسرى أَن رَأى عُمَـراً بَينَ الرَعِيَّةِ عُطـلاً وَهـوَ راعيهـا
وَعَهـدُهُ بِمُلـوكِ الفُـرسِ أَنَّ لَـهـا سوراً مِنَ الجُندِ وَالأَحراسِ يَحميهـا
رَآهُ مُستَغرِقـاً فـي نَومِـهِ فَــرَأى فيهِ الجَلالَـةَ فـي أَسمـى مَعانيهـا
فَوقَ الثَرى تَحتَ ظِلِّ الدَوحِ مُشتَمِـلاً بِبُـردَةٍ كـادَ طـولُ العَهـدِ يُبليهـا
فَهانَ فـي عَينِـهِ مـا كـانَ يَكبُـرُهُ مِـنَ الأَكاسِـرِ وَالدُنـيـا بِأَيديـهـا
وَقالَ قَولَـةَ حَـقٍّ أَصبَحَـت مَثَـلاً وَأَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيـلِ يَرويهـا
أَمِنـتَ لَمّـا أَقَمـتَ العَـدلَ بَينَهُـمُ فَنِمتُ نَـومَ قَريـرِ العَيـنِ هانيهـا
***
فـي الجاهِلِيَّـةِ وَالإِسـلامِ هَيبَـتُـهُ تَثني الخُطوبَ فَـلا تَعـدو عَواديهـا
في طَـيِّ شِدَّتِـهِ أَسـرارُ مَرحَمَـةٍ لِلعالَميـنَ وَلَكِـن لَيـسَ يُفشيـهـا
وَبَينَ جَنبَيـهِ فـي أَوفـى صَرامَتِـهِ فُـؤادُ والِـدَةٍ تَـرعـى ذَراريـهـا
أَغنَت عَنِ الصارِمِ المَصقـولِ دِرَّتُـهُ فَكَم أَخافَـت غَـوِيَّ النَفـسِ عاتيهـا
كانَت لَهُ كَعَصـا موسـى لِصاحِبِهـا لا يَنـزِلُ البُطـلُ مُجتـازاً بِواديهـا
أَخافَ حَتّى الذَراري فـي مَلاعِبِهـا وَراعَ حَتّى الغَوانـي فـي مَلاهيهـا
أَرَيتَ تِلـكَ الَّتـي لِلَّـهِ قَـد نَـدَرَت أُنشـودَةً لِرَسـولِ الـلَـهِ تُهديـهـا
قالَت نَذَرتُ لَئِـن عـادَ النَبِـيُّ لَنـا مِـن غَـزوَةٍ لَعَلـى دُفّـي أُغَنّيهـا
وَيَمَّمَت حَضرَةَ الهادي وَقَـد مَـلَأَت أَنـوارُ طَلعَتِـهِ أَرجــاءَ ناديـهـا
وَاِستَأذَنَت وَمَشَت بِالـدُفِّ وَاِندَفَعَـت تُشجى بِأَلحانِها مـا شـاءَ مُشجيهـا
وَالمُصطَفـى وَأَبـو بَكـرٍ بِجانِبِـهِ لا يُنكِـرانِ عَلَيهـا مِـن أَغانيـهـا
حَتّى إِذا لاحَ مِـن بُعـدٍ لَهـا عُمَـرٌ خارَت قُواها وَكادَ الخَـوفُ يُرديهـا
وَخَبَّـأَت دُفَّهـا فـي ثَوبِهـا فَرَقـاً مِنهُ وَوَدَّت لَـوَ اِنَّ الأَرضَ تَطويهـا
قَد كانَ حِلمُ رَسـولِ اللَـهِ يُؤنِسُهـا فَجاءَ بَطشُ أَبـي حَفـصٍ يُخَشّيهـا
فَقالَ مَهبِـطُ وَحـيِ اللَـهِ مُبتَسِمـاً وَفـي اِبتِسامَتِـهِ مَعنـىً يُواسيـهـا
قَد فَـرَّ شَيطانُهـا لَمّـا رَأى عُمَـراً إِنَّ الشَياطينَ تَخشى بَـأسَ مُخزيهـا
***
مَولـى المُغيـرَةِ لا جادَتـكَ غادِيَـةٌ مِن رَحمَةِ اللَهِ ما جـادَت غَواديهـا
مَزَّقـتَ مِنـهُ أَديمـاً حَشـوُهُ هِمَـمٌ في ذِمَّـةِ اللَـهِ عاليهـا وَماضيهـا
طَعَنتَ خاصِـرَةَ الفـاروقِ مُنتَقِمـاً مِنَ الحَنيفَـةِ فـي أَعلـى مَجاليهـا
فَأَصبَحَـت دَولَـةُ الإِسـلامِ حائِـرَةً تَشكو الوَجيعَـةَ لَمّـا مـاتَ آسيهـا
مَضـى وَخَلَّفَهـا كَالطَـودِ راسِخَـةً وَزانَ بِالعَـدلِ وَالتَقـوى مَغانيـهـا
تَنبو المَعـاوِلُ عَنهـا وَهـيَ قائِمَـةٌ وَالهادِمـونَ كَثيـرٌ فـي نَواحيـهـا
حَتّـى إِذا مـا تَـوَلّاهـا مُهَدِّمُـهـا صاح الـزَوالُ بِهـا فَاِنـدَكَّ عاليهـا
واهاً عَلى دَولَةٍ بِالأَمـسِ قَـد مَـلَأَت جَوانِبَ الشَرقِ رَغـداً مِـن أَياديهـا
***
إِن جاعَ فـي شِـدَّةٍ قَـومٌ شَرِكتَهُـمُ في الجوعِ أَو تَنجَلي عَنهُم غَواشيهـا
جـوعُ الخَليفَـةِ وَالدُنيـا بِقَبضَـتِـهِ في الزُهدِ مَنزِلَـةٌ سُبحـانَ موليهـا
فَمَن يُبـاري أَبـا حَفـصٍ وَسيرَتَـهُ أَو مَـن يُحـاوِلُ لِلفـاروقِ تَشبيهـا
يَومَ اِشتَهَت زَوجُهُ الحَلوى فَقالَ لَهـا مِن أَينَ لي ثَمَنُ الحَلـوى فَأَشريهـا
لا تَمتَطي شَهَـواتِ النَفـسِ جامِحَـةً فَكِسرَةُ الخُبزِ عَن حَلـواكِ تَجزيهـا
وَهَل يَفي بَيتُ مالِ المُسلِميـنَ بِمـا توحي إِلَيـكِ إِذا طاوَعـتِ موحيهـا
قالَت لَـكَ اللَـهُ إِنّـي لَسـتُ أَرزَؤُهُ مـالاً لِحاجَـةِ نَفـسٍ كُنـتُ أَبغيهـا
لَكِـن أُجَنِّـبُ شَيئـاً مِـن وَظيفَتِنـا في كُلِّ يَـومٍ عَلـى حـالٍ أُسَوّيهـا
حَتّـى إِذا مـا مَلَكنـا مـا يُكافِئُهـا شَرَيتُهـا ثُــمَّ إِنّــي لا أُثَنّيـهـا
قالَ اِذهَبي وَاِعلَمي إِن كُنتِ جاهِلَـةً أَنَّ القَناعَـةَ تُغنـي نَفـسَ كاسيهـا
وَأَقبَلَت بَعـدَ خَمـسٍ وَهـيَ حامِلَـةٌ دُرَيهِمـاتٍ لِتَقضـي مِـن تَشَهّيهـا
فَقـالَ نَبَّهـتِ مِنّـي غافِـلاً فَدَعـي هَذي الدَراهِمَ إِذ لا حَـقَّ لـي فيهـا
وَيلي عَلى عُمَـرٍ يَرضـى بِموفِيَـةٍ عَلى الكَفـافِ وَيَنهـى مُستَزيديهـا
ما زادَ عَن قوتِنـا فَالمُسلِمـونَ بِـهِ أَولى فَقومـي لِبَيـتِ المـالِ رُدّيهـا
كَذاكَ أَخلاقُـهُ كانَـت وَمـا عُهِـدَت بَعـدَ النُبُـوَّةِ أَخــلاقٌ تُحاكيـهـا
***
يا رافِعاً رايَـةَ الشـورى وَحارِسَهـا جَزاكَ رَبُّـكَ خَيـراً عَـن مُحِبّيهـا
لَم يُلهِكَ النَزعُ عَـن تَأييـدِ دَولَتِهـا وَلِلـمَـنِـيَّـةِ آلامٌ تُـعـانـيـهـا
لَـم أَنـسَ أَمـرَكَ لِلمِقـدادِ يَحمِلُـهُ إِلـى الجَماعَـةِ إِنـذاراً وَتَنبيـهـا
إِن ظَلَّ بَعـدَ ثَـلاثٍ رَأيُهـا شُعَبـاً فَجَرِّدِ السَيفَ وَاِضرِب في هَواديهـا
فَاِعجَب لِقُوَّةِ نَفـسٍ لَيـسَ يَصرِفُهـا طَعمُ المَنِيَّـةِ مُـرّاً عَـن مَراميهـا
دَرى عَميدُ بَني الشورى بِمَوضِعِهـا فَعاشَ مـا عـاشَ يَبنيهـا وَيُعليهـا
وَمـا اِستَبَـدَّ بِـرَأيٍ فـي حُكومَتِـهِ إِنَّ الحُكومَـةَ تُـغـري مُستَبِدّيـهـا
رَأيُ الجَماعَةِ لا تَشقـى البِـلادُ بِـهِ رَغمَ الخِلافِ وَرَأيُ الفَـردِ يُسقيهـا
***
وَما وَقـى اِبنُـكَ عَبـدُ اللَـهِ أَينُقَـهُ لَمّا اِطَّلَعـتَ عَلَيهـا فـي مَراعيهـا
هـا فـي حِمـاهُ وَهـيَ سـارِحَـةٌ مِثلَ القُصورِ قَـدِ اِهتَـزَّت أَعاليهـا
فَقُلتَ ما كـانَ عَبـدُ اللَـهِ يُشبِعُهـا لَو لَم يَكُن وَلَـدي أَو كـانَ يُرويهـا
قَدِ اِستَعـانَ بِجاهـي فـي تِجارَتِـهِ وَباتَ بِاِسـمِ أَبـي حَفـصٍ يُنَمّيهـا
رُدّوا النِيـاقَ لِبَيـتِ المـالِ إِنَّ لَـهُ حَـقَّ الزِيـادَةِ فيهـا قَبـلَ شاريهـا
وَهَـذِهِ خُـطَّـةٌ لِـلَّـهِ واضِعُـهـا رَدَّت حُقوقـاً فَأَغنَـت مُستَميحيـهـا
مـا الاِشتِراكِيَّـةُ المَنشـودُ جانِبُهـا بَينَ الوَرى غَيرَ مَبنىً مِـن مَبانيهـا
فَـإِن نَكُـن نَحـنُ أَهليهـا وَمَنبِتَهـا فَإِنَّهُـم عَرَفوهـا قَـبـلَ أَهليـهـا
***
يا مَن صَدَفتَ عَـنِ الدُنيـا وَزينَتِهـا فَلَـم يَغُـرَّكَ مِـن دُنيـاكَ مُغريهـا
ماذا رَأَيتَ بِبـابِ الشـامِ حيـنَ رَأَوا أَن يُلبِسوكَ مِـنَ الأَثـوابِ زاهيهـا
وَيُركِبـوكَ عَلـى البِـرذَونِ تَقدُمُـهُ خَيـلٌ مُطَهَّمَـةٌ تَحـلـو مَرائيـهـا
مَشـى فَهَملَـجَ مُختـالاً بِراكِـبِـهِ وَفي البَراذينِ مـا تُزهـى بِعاليهـا
فَصِحتَ يا قَومُ كـادَ الزَهـوُ يَقتُلُنـي وَداخَلَتنِـيَ حـالٌ لَسـتُ أَدريـهـا
وَكـادَ يَصبـو إِلـى دُنياكُـمُ عُمَـرٌ وَيَرتَضـي بَيـعَ باقـيـهِ بِفانيـهـا
رُدّوا رِكابي فَـلا أَبغـي بِـهِ بَـدَلاً رُدّوا ثِيابي فَحَسبـي اليَـومَ باليهـا
***
وَمَوقِفٍ لَكَ بَعدَ المُصطَفى اِفتَرَقَـت فيهِ الصَحابَـةُ لَمّـا غـابَ هاديهـا
بايَعـتَ فيـهِ أَبـا بَكـرٍ فَبايَـعَـهُ عَلـى الخِلافَـةِ قاصيهـا وَدانيـهـا
وَأُطفِئَـت فِتنَـةٌ لَـولاكَ لَاِستَعَـرَت بَيـنَ القَبائِـلَ وَاِنسابَـت أَفاعيـهـا
باتَ النَبِـيُّ مُسَجّـىً فـي حَظيرَتِـهِ وَأَنـتَ مُستَعِـرُ الأَحشـاءِ داميهـا
تَهيمُ بَينَ عَجيجِ النـاسِ فـي دَهَـشٍ مِن نَبأَةٍ قَد سَرى في الأَرضِ ساريها
تَصيحُ مَن قالَ نَفسُ المُصطَفى قُبِضَت عَلَـوتُ هامَتَـهُ بِالسَيـفِ أَبريـهـا
أَنسـاكَ حُبُّـكَ طَـهَ أَنَّــهُ بَـشَـرٌ يُجري عَلَيهِ شُؤونَ الكَـونِ مُجريهـا
وَأَنَّــهُ وارِدٌ لا بُــدَّ مَـــورِدَهُ مِـنَ المَنِيَّـةِ لا يُعفـيـهِ ساقيـهـا
نَسيتَ فـي حَـقِّ طَـهَ آيَـةً نَزَلَـت وَقَـد يُـذَكَّـرُ بِـالآيـاتِ ناسيـهـا
ذَهِلـتَ يَومـاً فَكانَـت فِتنَـةٌ عَمَـمٌ وَثـابَ رُشـدُكَ فَاِنجابَـت دَياجيهـا
فَلِلسَقيفَـةِ يَـومٌ أَنــتَ صاحِـبُـهُ فيهِ الخِلافَـةُ قَـد شيـدَت أَواسيهـا
مَدَّت لَها الأَوسُ كَفّـاً كَـي تَناوَلَهـا فَمَـدَّتِ الخَـزرَجُ الأَيـدي تُباريهـا
وَظـنَّ كُـلُّ فَريـقٍ أَنَّ صاحِبَـهُـم أَولى بِهـا وَأَتـى الشَحنـاءَ آتيهـا
حَتّى اِنبَرَيتَ لَهُـم فَاِرتَـدَّ طامِعُهُـم عَنهـا وَأَخّـى أَبـو بَكـرٍ أَواخيهـا
***
شاطَـرتَ داهِيَـةَ السُـوّاسِ ثَروَتَـهُ وَلَـم تَخَفـهُ بِمِصـرٍ وَهـوَ واليهـا
وَأَنتَ تَعرِفُ عَمراً فـي حَواضِرِهـا وَلَستَ تَجهَلُ عَمـراً فـي بَواديهـا
لَم تُنبِتِ الأَرضُ كَاِبنِ العاصِ داهِيَـةً يَرمي الخُطوبَ بِرَأيٍ لَيسَ يُخطيهـا
فَلَم يُـرِغ حيلَـةً فيمـا أَمَـرتَ بِـهِ وَقامَ عَمرٌو إِلـى الأَجمـالِ يُزجيهـا
وَلَم تُقِل عامِلاً مِنهـا وَقَـد كَثُـرَت أَموالُهُ وَفَشـا فـي الأَرضِ فاشيهـا
***
جَنى الجَمـالُ عَلـى نَصـرٍ فَغَرَّبَـهُ عَـنِ المَدينَـةِ تَبكـيـهِ وَيَبكيـهـا
وَكَم رَمَت قَسِماتُ الحُسـنِ صاحِبَهـا وَأَتعَبَـت قَصَبـاتُ السَبـقِ حاويهـا
وَزَهرَةُ الرَوضِ لَولا حُسنُ رَونَقِهـا لَما اِستَطالَت عَلَيهـا كَـفُّ جانيهـا
كانَـت لَـهُ لِمَّـةٌ فَينانَـةٌ عَـجَـبٌ عَلـى جَبيـنٍ خَليـقٍ أَن يُحَلّيـهـا
وَكانَ أَنّـى مَشـى مالَـت عَقائِلُهـا شَوقاً إِلَيـهِ وَكـادَ الحُسـنُ يَسبيهـا
هَتَفنَ تَحـتَ اللَيالـي بِاِسمِـهِ شَغَفـاً وَلِلحِسـانِ تَـمَـنٍّ فــي لَياليـهـا
جَـزَزتَ لِمَّتَـهُ لَمّـا أُتيـتَ بِــهِ فَفاقَ عاطِلُها فـي الحُسـنِ حاليهـا
فَصِحتَ فيهِ تَحَـوَّل عَـن مَدينَتِهِـم فَإِنَّهـا فِتـنَـةٌ أَخـشـى تَماديـهـا
وَفِتنَـةُ الحُسـنِ إِن هَبَّـت نَوافِحُهـا كَفِتنَـةِ الحَـربِ إِن هَبَّـت سَواقيهـا
***
وَمَـن رَآهُ أَمـامَ القِـدرِ مُنبَطِـحـاً وَالنـارُ تَأخُـذُ مِنـهُ وَهـوَ يُذكيهـا
وَقَـد تَخَلَّـلَ فـي أَثنـاءِ لِحيَـتِـهِ مِنها الدُخانُ وَفوهٌ غـابَ فـي فيهـا
رَأى هُناكَ أَميـرَ المُؤمِنيـنَ عَلـى حـالٍ تَـروعُ لَعَمـرُ اللَـهِ رائيهـا
يَستَقبِلُ النارَ خَوفَ النارِ فـي غَـدِهِ وَالعَينُ مِـن خَشيَـةٍ سالَـت مَآقيهـا
***
رَأَيـتَ فـي الديـنِ آراءً مُوَفَّـقَـةً فَأَنـزَلَ الـلَـهُ قُـرآنـاً يُزَكّيـهـا
وَكُنـتَ أَوَّلَ مَـن قَـرَّت بِصُحبَتِـهِ عَيـنُ الحَنيفَـةِ وَاِجتـازَت أَمانيهـا
قَد كُنتَ أَعدى أَعاديها فَصِـرتَ لَهـا بِنِعمَةِ اللَـهِ حِصنـاً مِـن أَعاديهـا
خَرَجتَ تَبغي أَذاهـا فـي مُحَمَّدِهـا وَلِلحَنيـفَـةِ جَـبّــارٌ يُوالـيـهـا
فَلَـم تَكَـد تَسمَـعُ الآيـاتِ بالِـغَـةً حَتّى اِنكَفَأتَ تُنـاوي مَـن يُناويهـا
سَمِعتَ سـورَةَ طَـهَ مِـن مُرَتِّلِهـا فَزَلزَلَـت نِيَّـةً قَـد كُنـتَ تَنويهـا
وَقُلـتَ فيهـا مَـقـالاً لا يُطـاوِلُـهُ قَولُ المُحِبِّ الَّذي قَد بـاتَ يُطريهـا
وَيَومَ أَسلَمتَ عَزَّ الحَـقُّ وَاِرتَفَعَـت عَن كاهِـلِ الديـنِ أَثقـالٌ يُعانيهـا
وَصاحَ فيهِ بِـلالٌ صَيحَـةً خَشَعَـت لَهـا القُلـوبُ وَلَبَّـت أَمـرَ باريهـا
فَأَنتَ في زَمَـنِ المُختـارِ مُنجِدُهـا وَأَنتَ في زَمَـنِ الصِدّيـقِ مُنجيهـا
كَمِ اِستَـراكَ رَسـولُ اللَـهِ مُغتَبِطـاً بِحِكمَـةٍ لَـكَ عِنـدَ الـرَأيِ يُلفيهـا
***
هَـذي مَناقِبُـهُ فـي عَهـدِ دَولَـتِـهِ لِلشاهِديـنَ وَلِلأَعـقـابِ أَحكيـهـا
فـي كُـلِّ واحِـدَةٍ مِنهُـنَّ نابِـلَـةٌ مِنَ الطَبائِـعِ تَغـذو نَفـسَ واعيهـا
لَعَـلَّ فـي أُمَّـةِ الإِسـلامِ نابِـتَـةً تَجلـو لِحاضِرِهـا مِـرآةَ ماضيهـا
حَتّى تَرى بَعضَ ما شـادَت أَوائِلُهـا مِنَ الصُـروحِ وَمـا عانـاهُ بانيهـا
وَحَسبُها أَن تَرى ما كانَ مِـن عُمَـرٍ حَتّـى يُنَبِّـهَ مِنهـا عَيـنَ غافيهـا